فصل: باب الخَبَرِ

صباحاً 1 :45
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
19
الجمعة
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الصاحبي ***


باب إِما لا

هما كلمتانِ ‏"‏إِمّا‏"‏ و ‏"‏لا‏"‏ تقول‏:‏ ‏"‏أُخرج‏"‏ فإذا امتنع قلت‏:‏ ‏"‏إِمَّا لا فتكلَّمْ‏"‏ أي ‏"‏إِن لَمْ يكن منكَ خروج فليكن منك تكلّم‏"‏‏.‏

ف ‏"‏إِمَّا‏"‏ شرط و ‏"‏لا‏"‏ جَحْدٌ‏.‏ كَأَنَّك قلت‏:‏ ‏"‏إِن لا‏"‏‏.‏

باب أمَّا وإِمَّا

‏"‏أمّا‏"‏ كلمة إخبار لا بدّ فِي جوابها من ‏"‏وفاء‏"‏‏.‏ تقول‏:‏ ‏"‏أمّا زيد فكريم‏"‏‏.‏

‏"‏وإمّا‏"‏ تكون تَخْييرًا وإباحة‏.‏ نحو إِشربْ إما ماءً وإمّا لَبنًا‏.‏

وَقَدْ تكون بمعنى الشرط، والأكثر فِي جوابها نون التوكيد‏.‏ نحو‏:‏ ‏{‏إِمَّا تَرَيِنَّ مِن البَشَرَ أحَدًا‏}‏ و ‏{‏قُل رَبِّ إِمّا تُرِيَنّي مَا يُوعَدُونَ‏}‏ وَقَدْ يكون بلا ‏"‏نون‏"‏ نحو قوله‏:‏

إمّا تَرَى رأسي عَلانِي أغْثَمُهْ ***

ومما أوله باء

بَلَى

بَلَى - تكون إثباتًا لمنفيّ قبلها‏.‏ يقال‏:‏ ‏"‏أما خرج زيدٌ‏؟‏‏"‏ فنقول‏:‏ ‏"‏بَلَى‏"‏ والمعنى أنّها ‏"‏بل‏"‏ وُصِلَتْ بِهَا ألفٌ تكون دليلًا عَلَى كلام‏.‏ يقول القائل‏:‏ ‏"‏أما خرج زيد‏؟‏‏"‏ فتقول‏:‏ ‏"‏بَلَى‏"‏ ف ‏"‏بل‏"‏ رُجُوع عن جَحْد، و ‏"‏الألف‏"‏ دلالةُ كلام، كَأَنَّك قلت‏:‏ ‏"‏بل خرج زيد‏"‏‏.‏ وكذلك قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ألستُ بربّكم قالوا بَلَى‏}‏ المعنى والله أعلم‏:‏ ‏"‏بل أنت ربُّنا‏"‏‏.‏

بَلْ

بَلْ - إِضرابٌ عن الأوّل وإثباتٌ للثاني‏.‏ واختلف فِيهِ أهل العربيّة‏.‏ فقال قوم‏:‏ جائز ‏"‏مررت برجل بل حمار‏"‏ وَقَدْ يكون فِيهِ الرفع أي‏:‏ ‏"‏بل هو حمارٌ‏"‏‏.‏

والكوفيون لا يَنْسُقُون ب ‏"‏بَلْ‏"‏ إِلاَّ بعد نفيٍ‏.‏ قال هشام‏:‏ محالٌ‏:‏ ‏"‏ضَرَبتُ أخاكَ بَلْ أباك‏"‏ لأن الأوّل قَدْ ثبَّتَّ لَهُ الضرب‏.‏

والبصريون يقولون‏:‏ لمَّا كَانَ ‏"‏بل‏"‏ تقع للإضراب، وكنَّا نُضرِب عن النفي وقعت بعد الإيجاب كوقوعها بعد النفي‏.‏ و ‏"‏لا بل‏"‏ مثلها‏.‏

وقال قوم‏:‏ يكون ‏"‏بَلْ‏"‏ بمعنى ‏"‏إِنَّ‏"‏ فِي قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ص والقرآنِ ذي الذِّكْر بل الَّذِين كفروا‏}‏ - معناه إِن الَّذِين كفروا - فِي عزة‏"‏ قالوا‏:‏ وذلك أنَّ القَسَم لا بُدّ لَهُ من جواب‏.‏

ويزعُم ناسٌ أنها إِذَا جاءت فِي الإثبات كَانَتْ استدراكًا‏.‏ تقول‏:‏ ‏"‏لقيتُ زيدًا بل عمرًا‏"‏ وهذا عند الغلط‏.‏

بَلْهَ

قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم‏:‏ يقول الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏أَعدَدْتُ لعبادِيَ الصَّالحينَ مَا لا عَينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمعَتْ ولا خَطَر عَلَى قلبِ بَشَر، بَله مَا أطلَعْتُهُم عَلَيْهِ‏}‏ قالوا‏:‏ معناه ‏"‏سِوى‏"‏ و ‏"‏دَعْ‏"‏ كَأَنَّه قال‏:‏ ‏"‏سوى مَا أطلعتهم عَلَيْهِ‏"‏ و ‏"‏دَعْ مَا أطلعتهم‏"‏ قال أبو زُبَيْد‏:‏

تَمْشي القَطُوف إِذَا غَنَّى الحُدَاةُ لَهَا *** مَشْيَ النَّجِيبَة بَلْهَ الْجِلَّةَ النُّجَبَا

بَيْدَ

قالوا‏:‏ ‏"‏بيد‏"‏ بمعنى ‏"‏غَيْرَ‏"‏‏.‏ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم‏:‏ «نحن الآخِرُونَ السابِقُون يومَ القيامة، بَيْدَ أنَّهم أُوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناهُ من بعدهم» أي ‏"‏غيرَ أنهم‏"‏ قال الشاعر‏:‏

عَمْدًا فَعَلْتِ ذَاكَ بَيْدَ أنّي *** إِخالُ لو هَلَكْتُ لَمْ تُرِنِّي

بينا وبينما

هما لزمان غير محدود‏.‏ واشتِقاقهما من قولنا‏:‏ ‏"‏بيني وبينه قِيدُ كذا‏"‏ فإذا قلنا‏:‏ ‏"‏بَيْنَا نحنُ عِنْدَ زَيْدٍ أتانا فلان‏"‏ فالمعنى ‏"‏بَيْنَ أن حَصَلْنا عند زيد وبين زمان آخر أتانا فلان‏"‏ قال‏:‏

فَبَيْنَا نحنُ نَرْقُبُه أتـانـا

مُعَلِّقَ شَكْوَةٍ وزِنَادَ رَاع

بَعْدُ

يَدُلُّ عَلَى أن يَعقُبَ شَيْءٌ شيئًا‏.‏ تقول‏:‏ ‏"‏جاء زيدٌ بعد عمرو‏"‏ ويقولون‏:‏ إنها تكون بمعنى ‏"‏مع‏"‏ يقال‏:‏ ‏"‏هو كريم وهو بعد هَذَا فقيه‏"‏ أي‏:‏ ‏"‏مَعَ هَذَا‏"‏ ويتأولون قول الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏والأرض بعد ذَلِكَ دحاها‏}‏ عَلَى هذا، بمعنى ‏"‏مع ذَلِكَ‏"‏‏.‏

ومما أوله تاء

تَعَالَ

يقال‏:‏ إنها أمرٌ أي ‏"‏تَفاعلْ‏"‏ من ‏"‏عَلَوْتُ‏.‏ تَعَالَى‏.‏ يَتَعَالَى‏"‏ فإذا أمرتَ قلت‏:‏ ‏"‏تَعالَ‏"‏ كما تقول‏:‏ ‏"‏تَقاضَ‏"‏‏.‏

قالوا‏:‏ وكثرت فِي الكلام حَتَّى صارت بمنزلة ‏"‏هلَّم‏"‏ حَتَّى يقال لمن هو فِي عُلوّ‏:‏ ‏"‏تَعالَ‏"‏ وأنتّ تُرِيدُ‏:‏ ‏"‏اهبطْ‏"‏‏.‏

ولا يجوز أن تَنْهَى بِهَا‏.‏ وَقَدْ تُصَرَّف فيقال‏:‏ ‏"‏تعالَيتُ‏"‏ و ‏"‏إِلَى أيّ شيءٍ أتَعالى‏؟‏‏"‏‏.‏

ومما أوله ثاء

ثُمَّ

ثُمَّ - يكون لِتَراخي الثاني عن الأول‏:‏ ‏"‏جاء زيد ثُمَّ عمرو‏"‏‏.‏

وتكوم ‏"‏ثُمَّ‏"‏ بمعنى ‏"‏واو عطف‏"‏ قال الله جلّ ذِكرهُ‏:‏ ‏{‏فإلينا مرْجِعُهم ثُمَّ الله شهيد عَلَى مَا يفعلون‏}‏ أي وهو شهيد‏.‏

وتكون بمعنى التعجّب كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَطْمَعُ أنْ أزيد‏}‏ و ‏{‏ثُمَّ الذين كفروا بربهم يعدلون‏}‏ وأنشد قطرب أن ‏"‏ثُمَّ‏"‏ بمعنى ‏"‏الواو‏"‏‏:‏

سألت ربيعةَ مَن خَيرُها *** أبًا ثُمَّ أمًّا فقالت لِمَـهْ

ومنه قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ثُمَّ إنّ علينا بَيانُهُ‏}‏ فأمّا قوله جلّ وعزّ‏:‏ ‏{‏ولقد خلقناكم ثُمَّ صوَّرناكم‏}‏ فقال قوم معناها‏:‏ ‏"‏وصوّرناكم‏"‏ وقال آخرون‏:‏ المعنى ‏"‏ابتدأنا خلقكم‏"‏ لأنه جلّ ثناؤه ابتدأ خلق آدم عَلَيْهِ السلام من تُراب، ثُمَّ صَوَّره‏.‏ وابتدأ خلق الإنسان من نُطْفَة ثُمَّ صَوَّره‏.‏ قالوا‏:‏ ف ‏"‏ثُمَّ‏"‏ علي بابها‏.‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏يُوَلُّوكم الأدبار ثُمَّ لا يُنصَرون‏}‏‏.‏

وزعم ناس أن ‏"‏ثُمَّ‏"‏ تكون زائدة‏.‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُوا، حَتَّى إِذَا ضاقت عليهم الأرضُ بما رَحُبتْ -‏"‏ إِلَى قوله جلّ ثناؤه – ‏{‏ثُمَّ تاب عليهم‏}‏ معناه‏:‏ ‏{‏حَتَّى إذا ضاقت عليهم الأرض تاب عليهم‏}‏ وقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏خلقكم من طين ثُمَّ قضى أجلًا‏}‏ وَقَدْ كَانَ قضى الأجل، فمعناه‏:‏ ‏"‏أُخْبِرُكم أنّي خليقتُه من طين، ثُمَّ أخبركم أنّي قضَيتُ الأجَل‏"‏ كما تقول‏:‏ ‏"‏كلمتك اليومَ ثُمَّ قَدْ كلمتُك أمسِ‏"‏ أي إني أخبرك بذاك ثُمَّ أُخبركَ بهذا‏.‏

وهذا يكونُ فِي الجُملِ، فأما فِي عطف الاسم عَلَى الاسم، والفعل عَلَى الفعل فلا يكون إِلاَّ مرتّبًا أحدُهما بعد الآخر‏.‏

ثَمَّ

و‏"‏ثمَّ‏"‏ بمعنى ‏"‏هُنالك‏"‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وإذا رأيتَ ثَمَّ رأيتَ نعيمًا وملكًا كبيرًا‏}‏‏.‏

وقرئتْ‏:‏ ‏{‏فإلينا مرجعهم ثَمَّ اللهُ شهِيدٌ‏}‏ أي‏:‏ هنالك الله شهيد‏.‏

ومما أوله جيم

جَيْرِ

يقولون‏:‏ ‏"‏جَيْرِ‏"‏ بمعنى ‏"‏حَقًّا‏"‏ قال المُفَضَّل‏:‏ هي خَفْضٌ أبدًا، ورُبَّما نوّنوها‏.‏ وأنشد المفضَّل‏:‏

ألا يَا طالَ بالغَرَباتِ لَيْلي *** وَمَا تلْقَى بَنو أسَدٍ بِهِنَّـهْ

وقائِلةٍ أسِيتَ فقلت جَـيْرٍ *** أسِيٌّ إنّه مـن ذَاكَ إنَّـهْ

أصابَهُمُ الْحِمَا وهمُ عَوافٍ *** وكُنَّ عَلَيْهِمِ نَجْسًا لُعِنّـهْ

فجيئت قبورَهم بَدْأَ ولمَـا *** فَنَادَيتُ القبورَ فلم يُجِبْنَهْ

وكيف تجيبُ أصْداءٌ وَهامٌ *** وأجْسَادٌ بُدِرْنَ وَمَا نُحِرْنَهْ

الحما‏:‏ أراد الحِمَام وبُدِرْنَ‏:‏ طعِنَّ فِي البوادِر‏.‏

لا جَرَمَ

قال‏:‏ ‏"‏جَرَمَ‏"‏ بمعنى ‏"‏حُقّ‏"‏ قال‏:‏

ولقد طعنتُ أبا عُـيَيْنَة طَـعـنةً *** جَرمَتْ فَزَارَةُ بَعدَها أن يَغْضِبُوا

وذكر ناس أنها بمعنى ‏"‏لا بُدّ‏"‏ و ‏"‏لا مَحَالةَ‏"‏‏.‏

وأصلح مَا قيل فِي ذَلِكَ أن ‏"‏لا‏"‏ نفي لما ظَنُّوا أنه ينفعهم فِي قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏لا جَرَمَ أنهم فِي الآخرة هم الأخسرون‏}‏ والمعنى ‏"‏لا‏"‏ أي ‏"‏لا ينفعهم ظنهم‏"‏ ثُمَّ يقول مبتدئًا‏:‏ ‏"‏جرَمَ أنهم فِي الآخرة هم الأخسرون‏"‏ أي ‏"‏كَسَبَهم ذَلِكَ‏"‏ ‏"‏حُقّ أنهم فِي الآخرة هم الأخسرون‏"‏‏.‏

قال أَيْنَ قتيبة‏:‏ وَلَيْسَ قول من قال‏:‏ ‏"‏حُقَّ لفَزارة الغضب‏"‏ بشيء، والأمر بخلاف مَا قاله، لأن الَّذِي يحصل من الكلمة مَا قلناه أنه بمعنى ‏"‏حُقّ‏"‏ فيكون عَلَى هَذَا ‏"‏جَرَمت فَزَارة بعدَها أن يغضبوا‏"‏ المعنى ‏"‏أحَقَّتْ الطَّعنة لفزارة الغضبَ‏"‏‏.‏ ومنه قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وتصِفُ ألسنتُهم الكَذِبَ أنَّ لهم الحسنى‏}‏ - ثُمَّ قال - ‏"‏لا‏"‏ وهو ردّ عَلَيْهِم، وقال بعدها‏:‏ ‏"‏جَرَمَ أنّ لهم النارَ‏"‏ أي حُقَّ وكسب‏.‏

ومما أوله حاء

حَتَّى

تكون للغاية‏.‏ قال الله جلّ ذكره‏:‏ ‏"‏وهي حَتَّى مطلع الفجر‏"‏ بمعنى ‏"‏إِلَى‏"‏ وقال تبارك اسمه‏:‏ ‏"‏حَتَّى يبلغ الكتابُ أجَلَه‏"‏‏.‏

وتكون بمعنى ‏"‏كَيْ‏"‏ تقول‏:‏ ‏"‏أكلمه حَتَّى يرضى‏"‏ أي ‏"‏كي يرضى‏"‏‏.‏

ويقولون‏:‏ إنها تكون بمعنى العطف، تقول‏:‏ ‏"‏قَدِمَ الجيشُ حَتَّى الأتباعُ‏"‏‏.‏

ومذهب أهل البصرة أنه لا يجوز أن يُعْطَف بِهَا حَتَّى يكون الثاني من الأول‏.‏ قالوا‏:‏ لو قلت‏:‏ ‏"‏كلَّمت العربَ حَتَّى العجم‏"‏ لَمْ يجز‏.‏ وقال الفرّاء لا يجوز ‏"‏كلّمت أخاك حَتَّى أباك‏"‏ وهو مثل الاستثناء، كما لا يجوز ‏"‏كلمت أخاك إِلاَّ أباك‏"‏‏.‏

وأجاز الفرّاء‏:‏ ‏"‏إنه ليقاتل الرَّجَّاَلة حَتَّى الفرسانَ‏"‏ و ‏"‏إِن كلبي ليصيد الأرانبَ حَتَّى الظِّباء‏"‏ خفضًا ونصبًا، قال الفراء‏:‏ لأن الظباء وإن كَانَتْ مخالفة للأرانب فإنها من الصيد وهي أرفع منها‏.‏

وقال البصريون‏:‏ هَذَا خطأ وفيه بطلان الباب‏.‏ قالوا‏:‏ لأن ‏"‏حَتَّى‏"‏ إنما جعلت لما تتناهى إِلَيْهِ الأشياء من أعلاها وأسفلها مما يكون منتهى فِي الغاية، فإذا قلت ‏"‏ضربتُ القوم‏"‏ جاز أن يتوهم السامع أن زيدًا لَمْ يدخل فِي الضرب، إما لأنه أعلاهم أو لأنه أدونهم، فمعنى ‏"‏إِلَى‏"‏ فِيهَا قائم إِذَا كَانَتْ ‏"‏إِلَى‏"‏ منتهى الغاية‏.‏

والكوفيون لا يجعلون ‏"‏حَتَّى‏"‏ حرف عطف، إنما يعربون مَا بعدها بإضمار‏.‏

حاشا

معناها الاستثناء، واشتقاقها من ‏"‏الحشا‏"‏ وهي ‏"‏الناحية‏"‏ تقول‏:‏ ‏"‏خرجوا حاشا زيدٍ‏"‏ أي‏:‏ إني أجعله فِي ناحية من لَمْ يخرج ولا أجعله فِي جملة مَن خرج‏.‏ قال الشاعر‏:‏

بأيِّ الْحَشَا أمْسَى الخليطُ المُباينُ ***

ومن ذَلِكَ قولهم‏:‏ ‏"‏لا أحاشي بك أحدًا‏"‏ أي‏:‏ لا أجعلك وإيّاه فِي حَشًا واحد، أي فِي ناحية واحدة بل أميّزك عنه‏.‏

ومما أوله خاء

خَلا وَمَا خَلا

أصلهما من قولنا‏:‏ ‏"‏خلا البيت‏"‏ و ‏"‏خلا الإناء‏"‏ إِذَا لَمْ يكن فِيهِ شيء‏.‏ كذلك إِذَا قلنا‏:‏ ‏"‏خرج النّاسُ خلا زيدٍ‏"‏ فإنّما نُريد‏:‏ أنه خلا من الخروج، أَوْ خلا الخروجُ منه‏.‏ وَعَلَى هَذَا التأويل فالنصب فِيهِ أحسن‏.‏ ومنه قول العرب‏:‏ ‏"‏افعَلْ كذا وخلاك ذمّ‏"‏ يريدون ‏"‏عَدَاك الذَّمُّ‏"‏ و ‏"‏خلوت من الذمّ‏"‏‏.‏

ومما أوله ذال

ذو وذوات

‏"‏ذو‏"‏ يدل على الملك‏.‏ تقول‏:‏‏"‏ هو ذو الثوب ‏"‏‏.‏

وقد يكون في غير الملك أيضا، بل يكون في صفة من صفاته نحو قولك‏:‏‏"‏ هو ذو كلام ‏"‏ و‏"‏ ذو عارضة ‏"‏‏.‏ فمن الملك قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ذو العرش المجيد‏}‏ وأما‏"‏ ذات ‏"‏ فيكون في المؤنث ك ‏"‏ ذا ‏"‏‏.‏ وتكون لها معان أخر‏:‏ تكون كناية عن ساعة من يوم أو ليلة أو غير ذلك، كقولك‏:‏‏"‏ ذات يوم ‏"‏ و‏"‏ ذات عشية ‏"‏‏.‏

وتكون كناية عن الحال كقوله‏:‏

وأهل خباء صالح ذات بينهـم *** قد احتربوا في عاجل أنا آجله

ومن هذا قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وأصلحوا ذات بينكم‏}‏ أي الحال بينكم وأزيلوا المشاجرة‏.‏ ومن الزمان قوله‏:‏

لما رأت أرقى وطول تقلبي *** ذات العشاء وليلى الموصولا

وتكون للبنية تقول‏:‏‏"‏ هو في ذاته صالح ‏"‏ أي‏:‏ في بنيته وخلقته‏.‏

وتكون للإرادة والنية كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏والله عليم بذات الصدور‏}‏ أراد السرائر‏.‏ ومنه فيما ذكروا قوله‏:‏

محلتهم ذات الإلـه ودينـهـم *** قويم فما يرجون غير العواقب

فقوله‏:‏ ‏"‏ ذات الإله ‏"‏ أي إرادتهم الله تبارك اسمه‏.‏

ومما أوله راء

رُبّ

يقولون‏:‏ للتقليل، وهي مُناقِضة ل ‏"‏كَمْ‏"‏ الَّتِي للتكثير، تقول‏:‏ ‏"‏رُبّ رجلٍ لَقِيتُه‏"‏‏.‏

وقال قوم‏:‏ وُضِعَت لتذكُّر شيء ماضٍ من خيرٍ أَوْ شرٍّ‏.‏ قال‏:‏

رُبّ ركبٍ قَدْ أناخُوا حَوْلَنـا *** يَشربونَ الخمرَ بالماء الزُّلال

قالوا‏:‏ وَعَلَى هَذَا التأويل قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏رُبَّمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏‏.‏

رُوَيْدٌ

قالوا‏:‏ هو تصغيرُ ‏"‏رُود‏"‏ وهو المهل‏.‏ قال‏:‏

كَأَنَّها مثل من يمشي عَلَى رُودِ

وقال بعضهم‏:‏ فِي قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏أمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا‏}‏ أي قليلًا‏.‏

ومما أوله سين

سَوْفَ

تكون للتأخير والتنفيس والأناةَ‏.‏

سِوَى

تكون بمعنى ‏"‏غير‏"‏ وهما جميعًا فِي معنى ‏"‏بَدَل‏"‏ وهي مقصورةٌ مكسورة فإذا مُدّتْ فُتح أوّلها‏.‏ قال‏:‏

تَجَانفُ عن جَوِّ الْيَمَامَةِ ناقَتِي

وَمَا عدَلتْ عن أَهلِها لِسَوائِكا

أي‏:‏ لغيرك‏.‏ و ‏{‏سَوَاء الجحيم‏}‏ وسطها، فِي غير معنى الأول‏.‏

وَقَدْ جاء ‏"‏سِوَى‏"‏ أيضًا‏.‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏مَكانًا سِوَى‏}‏‏.‏

سِيَّما

أصلُها ‏"‏السّيُّ‏"‏ وهو ‏"‏المِثْلُ‏"‏‏.‏ تقول‏:‏ ‏"‏ولا سِيَّما كذا‏"‏ أي ‏"‏ولا سواءَ‏"‏ قال‏:‏ امرؤ القيس‏:‏

ألا رُبَّ يومٍ لكَ منّ صالحٍ *** ولا سِيَّما يومًا بِدَارَةِ جُلْجلِ

وأصلُه راجع إِلَى ‏"‏السّي‏"‏ وهو المثل‏.‏ يقولون‏:‏ ‏"‏هما سيان‏"‏ قال ‏"‏الحُطَيْئَة‏:‏

فإيّاكم وحـيّة بَـطـن وادٍ *** هَمُوز النّابِ لَيْسَ لكم بِسِيِّ

وسمعت أبا الحسن المعروف بابن التركية يقول، سمعت ثعلبًا يقول‏:‏ من قاله بغير اللفظ الَّذِي قاله امرؤ القيس فقد أخطأ‏.‏

ومما أوله شين

شَتَّانَ

أصلها من ‏"‏شتَّ‏"‏ ومن ‏"‏التَّشتُّت‏"‏ وهو التَّفرقُ والتباعد، تقول‏:‏ ‏"‏شَتَّانَ مَا هُما‏"‏ أي‏:‏ بَعُدَ مَا بَيْنَهما، ويقال‏:‏ هَذَا هو الأفصح، وينشدون‏:‏

شَتَّانَ مَا يومي علي كُورِها *** ويوم حَيَّانَ أخي جـابِـرِ

وربما قالوا‏:‏ ‏"‏شتان مَا بَيْنَهما‏"‏ وَلَيْسَ بالفصيح‏.‏

ومما أوله عين

عَنْ

يدلّ عَلَى الانحطاط والنزول، تقول‏:‏ ‏"‏نَزَلَ عن الجبل‏"‏ و ‏"‏عن ظهر الدّابة‏"‏ و ‏"‏أخذ العِلْمَ عن زيد‏"‏ لأن المأخوذَ عنه أعلا رُتبةً من الآخذ‏.‏

وتكون بمعنى ‏"‏بَعْد‏"‏ فِي قوله‏:‏

لَمْ تنتطق عن تفضّل ***

ولها وجوه والأصلُ مَا ذكرناهُ‏.‏

عَلَى

تكون للعلوّ، تقول‏:‏ ‏"‏هو عَلَى السطح‏"‏‏.‏

وتكون للعزيمة، كما تقول‏:‏ ‏"‏أنا عَلَى الحجّ العامَ‏"‏‏.‏

وتكون للثبات عَلَى الأمر تقول‏:‏ ‏"‏أنا عَلَى مَا عَرَفْتَني بِهِ‏"‏‏.‏

وتكون للخلاف، مثل ‏"‏زيدٌ عَلَى عمرو‏"‏ أي‏:‏ مُخالِفُه‏.‏

وهِي - وإن انْشَعَبَتْ - راجعة إِلَى أصل واحد‏.‏

عَوْض

‏"‏عوض‏"‏ لزمان غير محدود ولا معلوم كنههُ، كما قلناه فِي ‏"‏الحِين‏"‏ و ‏"‏الدهر‏"‏‏.‏ قال الأعشى‏:‏

رضيعَيْ لبانِ ثديِ أُمٍّ تقاسما *** بأسحَمَ داج عَوض لا نتفرق

ويقولون‏:‏ ‏"‏لآتيك عوض العائضين‏"‏‏.‏

عَسَى

للقرب والدُّنوّ، قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏قُلْ عَسى أن يكونَ رَدِفَ لكم‏}‏‏.‏ والأفصح أن يكون بعدها ‏"‏أَنْ‏"‏ ورُبّما لَمْ يكن‏.‏ قال‏:‏

عسى فَرَجٌ يأْتي بِهِ الله إنَّهْ *** لَهُ كلَّ يوم فِي خَلِقته أمرُ

قال ‏"‏الكِسَائي‏"‏‏:‏ كل مَا فِي القرآن من ‏"‏عسى‏"‏ عَلَى وجه الخبر فهو مُوَحَّد‏:‏ ‏{‏عسى أنْ يكونوا خيرًا منهم‏}‏ و ‏{‏عسى أن يكنّ خيرًا منهنَّ‏}‏ و ‏{‏عسى أنْ تَكرهوا شيئًا‏}‏ وَوُحِّدَ عَلَى ‏"‏عسى الأمر أن يكون كذا‏"‏‏.‏

وَمَا كَانَ عَلَى الاستفهام فإنه يُجْمَع كقوله جلّ وعزّ‏:‏ ‏{‏فهل عَسَيْتُم‏}‏ قال أبو عُبَيْدة فِي قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏هَلْ عَسَيْتُم‏}‏‏:‏ هل عدوتم ذَاكَ، هل جُزتموه‏.‏

ومما أوله غين

غَيْر

غَيْر - تكون استثناء، وتقوم مقامها إلا، تقول‏:‏ خرج الناسُ غير زيد تريد إلاّ زيدًا‏.‏

أو تكون حالًا، وتقوم مقامها لا تقول‏:‏ فعلت ذلك غير خائف منك أي لا خائفًا منك‏.‏

ومما أوله فاء

في

زعموا أن في للتضمُّن، تقول‏:‏ المال في الكِيس والماءُ في الجَرَّة‏.‏ ويقولون‏:‏ إنها تكون بمعنى على في قول جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ولأصُلِبَنَّكُمْ في جُذُوع النَّخْل‏}‏‏.‏

وإنها تكون بمعنى مع في قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏في تِسْعِ آيات‏}‏‏.‏

وكان بعضهم يقول‏:‏ إنما ‏{‏ولأصلبنّكم في جذوع النخل‏}‏ لأن الجذع للمصلوب بمنزلة القبر للمقبور فلذلك جاز أن يقال فيه هذا‏.‏ وأنشدوا‏:‏

هُمُ صلبوا العَبْديَّ في جِذْع نخلة *** فلا عَطسَتْ شيبَانُ إلاَّ بأجْدَعـا

ومما أوله قاف

قَدْ

قَدْ - جواب لمتوقَّع، وهي نقيضُ ‏"‏ما‏"‏ التي للنفي، وليس من الوجه الابتداء بها إلا أن تكون جوابًا للمتوقع، وقوله جل وعزّ‏:‏ ‏{‏قد أفلح المؤمنون‏}‏ على هذا المعنى، لأن القوم توقعوا علمَ حالهم عندَ الله تبارك اسمه فقيل لهم‏:‏ ‏{‏قد أفلح المؤمنون‏}‏ والحقيقةُ ما ذكرناهُ‏.‏

ومما أوله كاف

كَمْ

موضوعة للتكثير في مقابلة رُبَّ تقول‏:‏ كم رجل لقيت‏.‏

وتكون استفهامًا، تقول‏:‏ كم مالُكَ‏؟‏‏.‏

وقال الفَرَّاء‏:‏ نُرى أن قول العرب كم مالك‏؟‏ أنها ما وُصِلتْ من أولها بكاف، ثم إن الكلام كير بِ ‏"‏كم‏"‏ حتى حُذِفَت الألف من آخرها وسكّنت ميمها، كما قالوا‏:‏ لِمْ قلتَ ذاك‏؟‏ ومعناهُ‏:‏ لِمَ ولِمَا قال قال‏:‏

يا أبا الأسْوَدُ لِمْ أسْلَمْتَنِي

لِهُمُوم طارِقَاتِ وَذِكَرْ

وقيل لبعض العرب مذ كم قعد فلان فقال كَمْذ أخذتَ في حديثك فزيادةُ الكاف في مُذْ دليل على أن الكاف في كم زائدة‏.‏

وعابّ الزَّجَّاجُ على الفَرَّاء قوله في كم، وقال‏:‏ لو كان في الأصل كما وأسقطت ألف الاستفهام لُتِركتْ على فتحها، كما تقول‏:‏ بمَ وعَمَّ وفِيمَ أنت‏.‏

والجوابُ عمّا قاله ما ذكره أبو زكريّاء وهو كثرة الاستعمال وحجته ما ذكره في لِمْ‏.‏

كَيْفَ

كيف سؤال عن حال، تقول‏:‏ كَيْفَ‏؟‏ أي‏:‏ بأيّ حال أنتَ‏؟‏ وقال بعض أهل اللغة‏:‏ لها ثلاثة أوجُه‏:‏ أحدها - سؤال محض عن حال، تقول‏:‏ كَيْفَ زيدُ‏؟‏‏.‏

والوجه الآخر - حالٌ لا سؤال معه، كقولك‏:‏ لأكْرِمَنّك كيف كنتَ أي‏:‏ على أيّ حال كنت‏.‏

والوجه الثالث - كيف بمعنى التعجيب، وعلى هذين الوجهين يُفَسَّر قوله‏:‏ ‏{‏فقُتِل كيف قَدَّر‏}‏ قالوا‏:‏ معناها ‏"‏على أيّ حال قَدَّر‏"‏ وتعجيب أيضًا‏.‏ ومن التعجيب قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم‏}‏‏.‏

وقد يكون كيف بمعنى النفي‏.‏ قال‏:‏

كيف يَرْجونَ سِقاطِي بعدمـا

لاحَ في الرَّأس مَشِيبٌ وَصَلَعْ

ومنه قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏كيف يكون للمشركينّ عهدٌ عند الله‏}‏ و‏:‏ ‏{‏كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم‏}‏‏.‏

وتكون توبيخًا، كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله‏}‏‏.‏

فأمّا قوله‏:‏ ‏{‏فكيف إذا جيئنا من كلّ أمة بشهيد‏}‏ فهو توكيد لِمَا تقَدَّم من خبر وتحقيق لِمَا بعده، على تأويل‏:‏ إن الله لا يظلم مثقالَ ذَرَّة في الدنيا فكيف في الآخرة‏.‏

كادَ

قال أبو عبيدة‏:‏ ‏"‏كاد للمقاربة في قوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏لَمْ يَكَدْ يراها‏}‏ أي‏:‏ لَمْ يَرَ‏.‏ ولَمْ يُقارب‏.‏ ومن المقاربة قول جرير‏:‏

حيُّوا المقام وحيّوا ساكن الدارِ

ما كدتَ تعرف إلا بعدَ إنكارِ

ويقولون‏:‏ كاد النَّعامُ يَطير‏.‏

فهذه المقاربة للشبه ولا يكون، وبيت جرير يكون‏.‏

كَانَ

كان يدلُّ على المُضِيّ، تقول‏:‏ كانَ له مالٌ‏.‏

وتكون بمعنى القُدْرة جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ما كان لكم أن تُنبتوا شجرها‏}‏ أي ما قدرتم‏.‏

وتكون بمعنى صار كقولك‏:‏ إن كنتَ أبي فَصِلْني أي‏:‏ إذا صِرتَ أبي‏.‏ وأنشد‏:‏

أجَزت إلـيه حُـرَّة أرْحَـبِـيَّة *** وقد كانَ لونُ الليل مثلَ الأرنْدَج

أي‏:‏ صار‏.‏

وتكون بمعنى الرهون، كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏قُلْ سبحانَ ربيّ هل كنتُ إلا بشرًا‏}‏ أي‏:‏ هل أنا إلا بشر وتكون بمعنى ينبغي قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏قلتم ما يكون لنا‏}‏ أي ما ينبغي لنا وكان تكون زائدة كقوله‏:‏

وجيران لنا كانوا كرام ***

وفي كتاب الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏قال وما علمي بما كانوا يعملون‏}‏ أي بما يعملون لأنه قد كان عالمًا بما عملوه وهو إيمانهم به‏.‏

كأين

كأين تكون بمعنى ‏"‏كم‏"‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله‏}‏ وفيها لغتان‏:‏ كأين بالهمز والتشديد وكأين بالتخفيف وقد قرئ بهما جميعا قال الشاعر‏:‏

وكأين أرينا الموت من ذي تحية *** إذا ما ازددنا أو أصر لمـأتـم

وسمعت بعض أهل العربية يقول‏:‏ ما أعلم كلمة يثبت فيها التنوين خطأ غير هذه‏.‏

كأن

كلمة تشبيه قال قوم‏:‏ هي إن دخلت عليها كاف التشبيه ففتحت وقد تخفف قال الله جل ذكره‏:‏ ‏{‏كأن لم يدعنا إلى ضر مسه‏}‏ إلا أنها إذا ثقلت في مثل هذا الموضع قرنت بها الهاء فقبل كأنّه لم يَدْعُنا‏.‏ وقالت الخنساء في التخفيف‏:‏

كَأَن لم يكونوا حِمىً يُتّـقـى *** إذا الناسُ إذ ذاكَ من عزّ بَزّا

أرادت‏:‏ كأنّهم لم يكونوا‏.‏

كلاَّ

تكون ردًّا ورَدْعًا ونفيًا لدعوى مُدَّعٍ إذ قال‏:‏ لقيتُ زيدًا قلتَ‏:‏ كلاَّ‏.‏

وربما كان صِلةً ليمين، كقوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏كَلاَّ والقمر‏}‏‏.‏ وهي - وإن كانت صِلةً ليمين - راجعةٌ إلى ما ذكرناهُ‏.‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏كَلاَّ لا تُطعِهُ‏}‏ فهي رَدْعٌ عن طاعةِ من نَهاهُ عن عبادة الله جلّ ثناؤه‏.‏ ونكتة بابها النفي والنهي‏.‏

وزعم ناس أن أصل كَلاَّ‏:‏ كَلاَ ولاَ‏.‏ قال‏:‏

أصابَ خَصَاصَةً فَبَدَا كَلِيلًا *** كَلاَ وانْغَلَّ سائرُه انغِلاَلا

وهذا ليس بشيء‏.‏ وكَلا كلمة موضوعة لما ذكرناه على صورتها في التثقيل، وقد ذكرناه وجوهّ كَلاَّ في كتاب أفردناه‏.‏

فأما نقيض كَلاَّ فقال بعض أهل العلم‏:‏ إن ذلك وهذا نقيضان ل لا‏.‏ وأَن كذلك نقيض لِ كَلاَّ‏.‏ قال‏:‏ وقله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ذلك ولو يشاء الله لاَنْتَصَر منهم‏}‏ على معنى‏:‏ ذلك كما قلنا وكما فعلنا‏.‏ ومثله‏.‏ ‏{‏هذا وإن للطَّاغِينَ لَشَرّ مآب‏}‏ بمعنى‏:‏ هذا كما قلنا وإن للطاغين لشرّ مآب‏.‏

قال‏:‏ ويدل على هذا المعنى دخل والواو بعد قوله‏:‏ ذلك وهذا لأن ما بعد الواو يكون مَنْسوقًا على ما قبله بها وإن كان مُضْمَرًا‏.‏ وقال جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وقال الذين كفروا لولا نُزِّلَ عليه القرآنُ جملةً واحدة‏}‏ - ثم قال - ‏"‏كذلك‏"‏ أي كذلك فعلناه ونفعله من التنزيل‏.‏ ومثله في القرآن كثير‏.‏

ومما أوله لام

لَوْ ولَوْلا

لَوْ - تدل على امِتناع الشيء لامتناع غيره، تقول‏:‏ لو حَضَر زيدٌ لحضرت فامتنع هذا لامتناع هذا‏.‏

وكان الفرّاء يقول‏:‏ لو يقوم مقام إنْ، قال جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏ولو كَرهَ الكافرون‏}‏ بمعنى‏:‏ وإن كره، ولولا أنها بمعنى أنء لاقتضت جوابًا‏.‏ لأنّ لو لا بدّ من جواب ظاهر أو مُضْمَر كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ولو نَزَّلْنا عليكَ كتابًا في قِرطَاسِ فَلَمَسوهُ بأيديهم لَقَالَ‏}‏ وإنّما وُضِعت مقامَ أنْ لأنَّ في كل واحد منهما معنى الشرط، كما يقال في الكلام‏:‏ لأكْرِمَنَّكَ وإنْ جَفَوْتَني - و - لو جفوتَني و لاَ عُطِينَّكَ وإنْ مَنَعْتَني - و - لو منعتني‏.‏

وأمّا لَولا - فإنها تدل على امتناع الشيء لوجود غيره‏.‏ تقول‏:‏ لولا زيدٌ لضربتك فإنما امتنعت من ضربه لأجل زيد‏.‏

وقد يكون لولا بمعنى هَلاَّ كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فلولا إذْ جاءَهم بأسْنا تَضَرّعوا‏}‏ أي فَهلاَّ قال الشاعر‏:‏

تَعدُّونَ عقرَ النيب أفضلَ مجدكـم *** بَني ضَوْطَرَى لولا الكميَّ المقَنَّعا

أي‏:‏ هَلاَّ‏.‏

وكذلك لَوْمَا، كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏لَوْمَا تَأتِينَا بِالْمَلاَئكةِ‏}‏ أي هَلاَّ تأْتينا‏.‏

وأما لولا الأول فكقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فلولا أنّه كان من المُسَبِّحين لَلَبِثَ في بطنه‏}‏ وقوله جلّ وعزّ‏:‏ ‏{‏فلولا كانت قريةٌ آمَنَتْ‏}‏ فلها وجها‏:‏ أحدهما أن يكون بمعنى هَلاَّ والوجه الآخر أن يكون بمعنى لَمْ يقول‏:‏ فلم تكن قرية آمنت فنفعها إيمانها إلاّ قومَ يُونُسَ‏.‏ ومثله‏:‏ ‏{‏فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيةٍ يَنهَوْن عن الفساد في الأرض‏}‏ بمعنى لم يكن‏.‏

لمْ ولمّا

لَمْ - تنفي الفعلَ المستقبل وتنقلُ معناهُ إلى الماضي‏.‏ نحو لم يقم زيد تريد‏:‏ ما قام زيد‏.‏ فإن دخل عليها حرفُ جزاء لم تنقل معنى الاستقبال، تقول‏:‏ إنْ لَمْ تَقُمْ ولا يحسنُ السكوت عليها إلا إذا كانت جوابًا لمثَبت كأنَّ قائلًا قال‏:‏ قد خرج زيد فتقول‏:‏ لَمَّا‏.‏

ولَمّا - لا تدخل إلاّ على مستقبل، تقول‏:‏ جيئت ولما يجيء زيدٌ بعدُ فيكون بمعنى لمْ كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏بل لما يذوقوا عذاب‏}‏‏.‏

فأمّا لمّا التي للزمان فتكون للماضي، تقول قصدتُكَ لَمّا وَرَدَ فلان‏.‏

لَنْ

‏"‏لن‏"‏ تكون جوابًا للمثبِت أمرًا في الاستقبال، يقول‏:‏ سيقوم زيد فتقول أنت لن يقومَ‏.‏

وحكي عن الخليل أنّ معناها‏:‏ لا أنْ بمعنى ما هذا وقت أن يكون كذا‏.‏

لا

‏"‏لا‏"‏ حرف نَسَقٍ يَنفي الفعلَ المستقبلَ، نحو لا يخرجُ زيدٌ‏.‏ ويُنهى به نحو لا تفعلْ‏.‏ ويكون بمعنى لمْ إذا دخلتْ على ماض كقوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏فلا صَدَّقَ ولا صَلَّى‏}‏ أي‏:‏ لم يُصِّدقْ ولم يُصلّ‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

وأي خميس لا أفأنا نِـهـابـه *** وأسيافنا يقطرن من كبشه دمًا

وأنشدني أبي‏:‏

إن تَغْفِرِ اللهمَّ تغفِرْ جَمّا *** وأيُّ عبدٍ لَكَ لا أَلَمّـا

أي‏:‏ أيُّ عبد لك لم يُلِمَّ بالذنب‏.‏

وكان قُطرُب يقول‏:‏ إن العرب تُدخل لا توكيدًا في الكلام كما يُدخلون ما في مثل قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فقليلًا مّا يؤمنون‏}‏ و ‏{‏فيما نقضهم‏}‏ وكذلك ‏{‏ما منعك ألاّ تسجُد‏}‏ أي‏:‏ ما منعك أن تسجد‏.‏ وكذلك ‏{‏لا أُقْسِم بيوم القيامة‏}‏ المعنى‏:‏ أُقْسم‏.‏ وقد يجوز في لا أقسم أن يكون نَفَى بها كلامًا تقدَّم منهم، كأن قال‏:‏ ليس الأمرُ كذا‏؟‏ ثم قال‏:‏ أُقسم‏.‏ وقال زُهَير في لا‏:‏

مُوَرَّثُ المَجْد لا يَغْتالُ هِمَّتـهُ *** عن الرِيّاسة لا عَجْزٌ ولا سَأمُ

أي‏:‏ لا يغتالها عجز‏.‏ وقال‏:‏

بيوم جَدودا لا فَضَحتُم أبـاكـمُ *** وسالمتُمُ والخيلُ تَدْمَى نُحورُها

يريد‏:‏ فضحتم أباكم‏.‏

وحَكى قطرب‏:‏ ضربتُ لا زيدًا وقال آخر‏:‏

وقد حداهن بلا غير خُرُقْ ***

وقال الهُذلي‏:‏

أفعنك لا برق كأنّ وميضه *** غاب تسنّمه ضرام مُثقب

ومن الباب قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏لئلاّ يعلم أهل الكتاب‏}‏‏.‏

قال أبو عبيدة في قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏غير المغضوب عليهم ولا الضّالين‏}‏ قال‏:‏ لا من حروف الزوائد لتتميم الكلام، والمعنى إلغاؤها‏.‏ قال العجاجُ‏:‏

في بئر لا حُورٍ سرى وما شعرْ ***

أي‏:‏ بئر حُور، أي هَلَكة‏.‏ وقال أبو النجم‏:‏

فما ألوم الْبِيضَ أن لا تَسْخَرا *** يقول فما ألومُهنَّ أن يَسْخَرْنَ

قال الشَّمّاخ‏:‏

أعائشَ ما لأهلـكِ لا أراهـم *** يُضِيعون الهِجانَ مع المُضيعِ

يريد‏:‏ أراهم يضيعون السَّوام، ولا إنما هي لغة‏.‏ وقال‏:‏

ويلحينني في اللهو أن لا أُحبَّه *** ولِلَّهو داعٍ دائبٌ غيرُ غافـلِ

المعنى‏:‏ يلحينني في اللهو أن أحبه‏.‏

وفي القرآن‏:‏ ‏{‏ما منعك أن لا تسجد‏}‏ أي‏:‏ أن تسجد‏.‏

قال أحمد بن فارس‏:‏ أما قوله إنّ لا في ولا الضالين زائدة- فقد قيل فيه‏:‏ إن لا إنما دخلت ها هنا مُزِيلةً لتوهُم متوهم أن الضّالين هم المغضوب عليهم، والعرب تنعت بالواو، يقولون‏:‏ مررت بالظريف والعاقل فدخلت لا مُزِيلةً لهذا التوهم ومُعلمة أن الضّالين هم غير المغضوب عليه‏.‏ وأما قوله في شعر الشمّاخ‏:‏ إن لا زائدة في قوله‏:‏ ما لأهلك لا أراهم فغلطٌ من أبي عبيدة لأن ظنّ أنه أنكر عليهم فساد المال، وليسَ الأمر كما ظنِّ، وذلك أن الشمّاخ احتجّ على امرأته بصنيع أهلها أنهم لا يُضيعون المالَ‏.‏ وذلك أن امرأة الشمّاخ وهي عائشة قالت للشمّاخ‏:‏ لِمَ تشدّد على نفسك في العيش حتى تلزَم الإبلَ وتعزبَ فيها فهِوّن عليك‏.‏ فردّ على امرأته فقال‏:‏ مالي أرى أهلك يتعهدون أموالهم ولا يضيعونها، بل يصلحونها، وأنت تأمرينني بإضاعة المال‏؟‏ فقال‏:‏

أعايشَ ما لأهلـكِ لا أراهـم

يُضيعون الهجانَ مع المُضيعِ

وَكيف يُضيع صاحبُ مُذْفَآت

على أثباجِهنّ من الصقـيعِ

لَمالٌ المرءِ يُصلحه فيُغِـنـى

مَفَاقِرَهُ أعفُّ من القُـنُـوع

ولا تنفي الاسمَ المنكور، نحو‏:‏ لا رجلٌ عندكَ

لات

اختلف الناس فِيهَا‏:‏ فمنهم من زعم أن التاء متصلة ب لا وأنها بمنزله ليس على تأويل وليس حينَ مناصٍ نصَب حين‏.‏

خير ليس وقال الأفواه وجعل لاتَ بمعنى حِين‏:‏

ترك الناسُ لنا أكتافَـهـم

وتولوا لاتَ لم يُغنِ الفرار

لدُن

لدْنْ - بمعنى عِنْدَ‏.‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏قد بلغتَ من لدُنِّي عذرًا‏}‏ وقال ‏{‏لاتخذناهُ من لدْنّا‏}‏ أي‏:‏ من عندنا‏.‏

وقد تحذف النون من لدن قال الشاعر‏:‏

من لدُ لَحْيَيْهِ إلى منحورِهِ ***

لدى

ولدى بمعنى ‏"‏لدن‏"‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وألفيا سيِّدها لدى الباب‏}‏

لَيْسَ

ليس - نفيٌ لفعل مستقبَل تقول‏:‏ ليس يقوم‏.‏

وزعم ناس أنهم من حروف النَّسَق نحو‏:‏ ضربتُ عبد الله ليس زيدًا وقام عبد الله ليس زيدٌ ومررت بعبد الله ليس بزيد، لا يجوز حذف الباء لأنك لا تضمر المرور والباءَ‏.‏ ولو قلتَ‏:‏ ظننت زيدًا ليس عمرًا قائمًا جاز‏.‏ قال لبيد‏:‏

وإذا جوزيت فرضًا فاجـزه *** إنما يجزى الفتى ليس الجمل

والبصريون يقولون‏:‏ لا يجوز العطف ب ‏"‏ليس‏"‏، وهي لا تُشبه من حروف العطف شيئًا‏.‏ ألا ترى أنه يبتدَأ بها ويضمَر فيها وروى سيبويه هذا البيت‏:‏

إنما يجزي الفتى غيرَ الجمل ***

قالوا‏:‏ وخطأ رأيت زيدًا ليس عمرًا لأنه لا يكون على تقديرهم فعل بلا فاعل، وكان الكسائي يقول‏:‏ أجريتْ ليس في النسق مجرى لا‏.‏

لَعَلّ

لَعَلَّ - تكون استفهامًا وَشَكًّا‏.‏ وتكون بمعنى خليق‏.‏

وحكي عن الكسائي أنّ لعلّما تأتي بمعنى كأنما وأنما وأنكر الفرّاء هذا، قال‏:‏ لأن أنما معبرة عن أنْ ولا يجوز أن تُسقط ما منها أبدًا‏.‏

وأهل البصرة يقولون‏:‏ لعلّ ترجٍّ‏.‏ وبعضهم يقول‏:‏ توقُّع‏.‏

وتكون لعلّ بمعنى عسى‏.‏ وتكون بمعنى كي‏.‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وأنهارًا وسبلًا لعلّكم تهتدون‏}‏ يريد‏:‏ لكي تهتدوا‏.‏

لَكِن

قال قوم‏:‏ هي كلمة استدراك تتضمن ثلاثة معانٍ‏:‏ منها لا وهي نفي والكاف بعدها مخاطبة والنون بعد الكاف بمنزل إن الخفيفة أو الثقيلة، إلا أن الهمزة حذفت منها استثقالًا لاجتماع ثلاثة معان في كلمة واحدة، ف لا تنفي خبرًا متقدمًا وإن تُثبت خبرًا متأخرًا، ولذلك لا تكاد تجيء إلا بعد نفي وجحد، مثل قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وما رمَيْتَ إذا رميتَ ولكنّ الله رمى‏}‏‏.‏ ومما يدلّ على أن النون في لكن بمنزلة إن خفيفةً أو ثقيلة، أنك إذا ثقّلت النون نصبتَ بها وإذا خففتها رفعتَ بها‏.‏

ومما أوله ميم

مذْ ومنذُ

هما ابتداءُ غايةٍ في زمان‏.‏ نحو مُذُ اليومِ ومُنذُ الساعةِ‏.‏

مَا

أصلُ مَا أنها تكون لغير الناس‏.‏ تقول ما مرَّ بك من الإبل‏؟‏‏.‏

فأمّا قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وما خَلَق الذكر والأنثى‏}‏ فقال أبو عبيدة‏:‏ معناه ومَن خَلقَ الذكر والأنثى‏.‏ وكذلك ‏{‏والسماء وما بناها‏}‏ أي من بناها وكذلك ‏{‏ونفس وما سَوَّاها‏}‏‏.‏ قال‏:‏ وأهل مكَّةَ يقولون إذا سمعوا صوتَ الرعد ‏"‏سُبحانَ ما سبَحتَ له‏"‏ وبعضهم يقرأ‏:‏ ‏{‏وما خلَقَ الذكرِ والأنثى‏}‏ أي‏:‏ وخلقِهِ الذكر والأنثى‏.‏

وما تكون صِلةً، كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏قليلًا مّا تذَكَّرون‏}‏ المعنى‏:‏ قليلًا تذكّرون‏.‏ ولو كانت اسمًا لارتفع فقلت‏:‏ قليلٌ ما تذكرون أي قليلٌ تذكركم‏.‏

وما تكون للتفخيم، كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏الحاقّةُ ما الحاقّة‏}‏ ومنه‏:‏

بَانَتْ لتَحزُننا عَفَـارَهْ *** يا جارتا ما أنتِ جارَهْ

وذكر بعضهم أن ما هذه هي التي تذكر في التعجب إذا قلنا ما أحسنَ زيدًا‏.‏

وقد تكون ما مُضمَرةً، كقول جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وإذا رأيتَ ثَمَّ‏}‏ أراد‏:‏ ما ثَمّ‏.‏ وكما قال‏:‏ ‏{‏هذا فِراقُ بيني وبينك‏}‏ أي‏:‏ ما بيني‏.‏ و‏{‏لقد تقطَّعَ بينَكم‏}‏ أي ما بينَكم‏.‏ فإذا قلت‏:‏ بينُكم فمعناه‏:‏ وصلُكم‏.‏

وتكون للنفي، نحو ما فعلتُ‏.‏

وتكون لاستفهام، نحو ما عندك‏؟‏‏.‏ وزعم ناس في قولهم قَبْلَ عَيْرٍ وَمَا جرى أن ما للنفي وأنشدوا قول الشمّاخ‏:‏

أعَدْوَ الْقِمصَّى قَبْلَ عَيْرٍ وما جَرَىَ *** ولم تدْرِ ما خُبرِي ولم أدرِ مالَها

يقول‏:‏ نفرتْ هذه المرأة منّي مثل ما نفرت أتان من عَيْر من قبل أن يبلوَها ويعدوَها إليها‏.‏ وما جرى، أي‏:‏ لم يجرِ إليها‏.‏

من

من يُسميها أهل العربية ابتداءَ غاية‏.‏

وتكون للجنس، نحو خاتمٌ من حديد‏.‏

وتكون للتبعيض، نحو أكلت من الرَّغيف‏.‏

وتكون رفعًا للجنس نحو ما جاءني من رجل‏.‏

وتكون صِلةً، نحو قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏مِنْ خيرٍ من ربكم‏}‏ و‏{‏نكِفِّر عنكم مِن سيئاتكم‏}‏‏.‏

وتكون تعجّبًا، نحو ما أنت من رجل وحَسْبُك من رجل‏.‏

وتكون بمعنى على، قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ونصرناهُ مِن القوم‏}‏‏.‏ وكان أبو عبيدة يقول في قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ومَن يعمل مِنَ الصالحات‏"‏‏:‏ إن مِن صلة‏.‏ قال أبو ذُؤَيب‏:‏

جَزَيْتُكِ ضِعفَ الـوْدَ لَـمّـا أردتِـه *** وما إن جزاك الضِعْفَ مِن أحد قبلي

وقال غيره‏:‏ لا تزد من أمرٍ واجب، يقال‏:‏ ما عندي من شيء وما عنده من خير وهل عندك من طعام‏؟‏‏.‏ فإذا كان واجبًا لم يحسُن شيء من هذا‏:‏ لا تقول عندك من خير‏.‏

مَنْ

اسم لِمَن يعْقل‏.‏ تقول‏:‏ لَقِيتُ مَن لقيتَ ومَن مَرّ بِك‏؟‏ في الاستفهام‏.‏ وهو يكون في الواحد والاثنين والجميع‏.‏ ويخرج الفعل منه على لفظ الواحد والمعنى تثنيه أو جمع قال‏:‏

تعالَ فإن عاهدتَني لا تخوننـي

نكن مثلَ مَن يا ذِئبُ يَصطحبانِ

وكذلك يَكون في المؤنث‏.‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ومَن يقنُتْ مِنكنَّ‏}‏‏.‏ ومن تضمَر‏.‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وإن مِن أهل الكتاب إلا يؤمِنَنَّ به‏}‏ المعنى‏:‏ إلاَّ مَنْ‏.‏ ومثله ‏{‏وما مِنّا إلا له مقامٌ‏}‏ أي إلا مَنْ‏.‏

مَه و مَهما

مَهْ - زجرٌ وإسكات وأمرٌ بالتوقّف عما يريده المريد، كأنّ قائلًا يريد الكلامَ بشيء أو فاعلًا يريد فعلًا فيُقال لهما مَهْ أي‏:‏ قِف ولا تفعل‏.‏ هذا مشهور في كلام العرب‏.‏ قال‏:‏

مَهْ ماليَ الليلة مَهْ ما لِيهْ *** يا راعيَ ذَوْدِي وأجما لِيهْ

ويكون هذا على أنّ أمرًا تقدّم فردّ عليه القائل فقال‏:‏ مَهْ ثم مرّ كلام نفسه‏.‏ ومَهْمَا - بمنزلة ما في الشرط‏.‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وقالوا ما تَأتنا بهِ مِن آية‏}‏ وقال‏:‏ إنّها ما أدخلت عليها ما قالوا‏:‏ ما تكون إحداهما كالصلة كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏أيِّامَا تدعو‏}‏ فغُيّر اللفظ‏.‏

مَتَى

مَتَى - سؤالٌ عن وقت‏.‏ تقول‏:‏ متى يخرجُ زيد‏؟‏‏.‏

ومتى يكون شرطًا يقتضي التكرار‏.‏ تقول‏:‏ متى كلمتُ زيدًا فعلى كذا سمعت علّيًا يقول‏:‏ سمعت ثعلبًا يقول ذلك‏.‏

فأما متى التي في لغة هُذَيْل فليست من هذا، لأنهم يقولون‏:‏ وضعتُه متى كُمِّي يريدون‏:‏ الوسَط وينشدون‏:‏

شَرِبْنَ بماء البحر ثُم تصعّدت *** متى لُججٍ خضرٍ لهن نَـئيجُ

قالوا‏:‏ معناه من لجج‏.‏ وقالوا‏:‏ بمعنى وَسط‏.‏

ومما أوله نون

نَعَمْ ونِعْمَ

نَعَمْ - عدَة تصديق‏.‏ ونِعْمَ - كلمة تنبيء عن المحاسِنِ كلّها‏.‏

ومما أوله هاء

هَلمَّ

قالوا‏:‏ معناها تعَالَ‏.‏ وكان الفرّاء يقول‏:‏ أصلها هل ضُمّ إليها أمَّ وتأويل ذلك أن يقال‏:‏ هَلْ لكَ في كذا، أُمَّ أي‏:‏ اقصُد وتَعالَ‏.‏

وكان الفرّاء يقول‏:‏ معنى اللهم يا الله أُمَّنا بخير‏.‏ فكثرت في الكلام واختلطت وتُركت الهمزة‏.‏

ها

قالوا‏:‏ معناها خذْ تَنَاوَل تقول‏:‏ ها يا رجُل‏.‏ ويُؤمر بها ولا يُنهى بها‏.‏ وفي كتاب الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏هَاؤمُ اقْرؤا كتابِيَهْ‏}‏‏.‏

هَاتِ

بمعنى أعْطِ على لفظ رَام وعَاطِ‏.‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏قل هاتوا بُرهانَكم‏}‏ قال الفرّاء‏:‏ ولم يُسمع في الاثنين، إنّما يقال للواحد والجميع‏.‏ ويقولون‏:‏ أنا أُهاتِيك، وليس من كلامهم هاتَيْتُ، ولا يُنهى بها‏.‏

وبلغني أن رجلًا قال لآخر‏:‏ هات فقال‏:‏ لا أُهاتِيكَ ولا أُؤَاتيك‏.‏

هيهات

قالوا‏:‏ معنى ‏"‏هيهات‏"‏ بعد، كقوله عز وجل حكاية عن قوم‏:‏‏{‏هيهات هيهات لما توعدون‏}‏ أي ما أبعد ما توعدون‏.‏

ومما أوله واو

وَيْكأَنَّ

اختلف أهل العلم فيها‏.‏ قال أبو زَيْد‏:‏ معنى ويكأنّه ألَمْ تَرَ‏.‏ وأنشد‏:‏

ألا وَيْكَ المسـرّةُ لا تـدومُ *** ولا يبقى على الدّهر النعيمُ

وأنشد أبو عبيدة‏:‏

سَأْلَتاني الطِّـلاقَ أن رأتـانِـي *** قَلَّ مالي قد جئتماني بِـنـكـرِ

وَيْكَانْ مَن يكُنْ لـه نَـشَـبٌ يُحْ *** ببْ ومَنْ يفتِقر يَعِشْ عيشَ ضرِّ

وحدثني علي بن إبراهيم عن محمد بن فرج عن سلمة عن الفراء قال‏:‏ هو في كلام العرب تقرير كما يقول القائل‏:‏ أما ترى إلى صنع الله‏.‏

وحكى الراء عن شيخ من البصريين قال‏:‏ سمعت أعرابية تقول لزوجها‏:‏ أين ابنُك‏؟‏ فقال زوجها‏:‏ ويكأَنَّه وراء الباب‏.‏ معناه‏:‏ أما تَرَيْنَه وراء البَاب‏؟‏‏.‏

قال الفرّاء ويذهب بها بعض النحويين إلى أنهما كلمتان، يردي وَيْكَ إنما أراد ويلَكَ فحذف اللام ويجعل أنّ مفتوحة بفعل مضمر كأنه قال‏:‏ ويلك أعلم أن‏.‏ وقال‏:‏ إنما حذفوا اللام من وَيْلَكَ حتى صارت وَيْكَ، فقد تقول العرب ذلك لكثرتها في الكلام واستعمال العرب إياها‏.‏ قال عنترة‏:‏

ولقدْ شفى نفسي وأبرأ سقُمَها *** قِيلُ الفوارس وَيكَ عَنْتَرَ أَقْدِمٍ

وقال آخرون‏:‏ ويكَ وَيْ منفصلة مِن كأنّ كقولك للرجل‏:‏ أما ترى بين يديك‏.‏ فقال وَيْ ثم استأنف كأنَّ الله وكأن في معنى الظن والعلم‏.‏ وفيها معنى تعجب‏.‏ قال‏:‏ وهذا وجه مستقيم، ولم تكتبها العرب منفصلة‏.‏ ويجوز أنّ يكون كثر بها الكلام فُوصلت بما ليس منه، كما اجتمعت العربُ على كتاب يا بْنَؤُمَّ فوصلوها لكثرتها‏.‏

أوْلَى

سمعت أبا القاسم عليَّ بن أبي خالد يقول‏:‏ سمعت ثعلبًا يقول أولى له أي‏:‏ داناه الهلاك‏.‏ وأصحابنا يقولون أوْلَى تَهَدُّدٌ ووعيدٌ‏.‏ وهو قريب من ذلك‏.‏ وأنشدوا‏:‏

ألْفِيَتَا عيناكَ عند الْقَـفَـا *** أوْلَى فأوْلَى لك ذا واقيَهْ

وقال قوم - وأنا أبرأ مِن عهدته -‏:‏ إن أوْلَى مأخوذ من الوَيْل‏.‏ وكان للويلِ فِعْل وتصريف دَرَجَ ولم يبق منه إلا الويل قطُّ‏.‏ قال جرير‏:‏

يَعَمَلنَ بالأكبادِ وَيْلًا وآئِلا

فقوله‏:‏ أَوْلَى‏:‏ أَفْعَلُ من الويل، إلاَّ أن فيه القلبَ‏.‏

وقال قوم أَوْلَى‏:‏ داناهُ الهلاك فليَحْذَرْ‏.‏ قال‏:‏

أولى لكم ثم أولى أن تصيبَكُمُ *** مِنِّي نَواقِرُ لا تبقى ولا تَذَرُ

ومما أوله ياء

يا

تكون للنداء، نحو‏:‏ يا زيدُ‏.‏ وللدعاء نحو يا اللهِ‏.‏ وتكون للتعجّب، كقوله‏:‏ يا لَهُ فارسًا‏.‏ وفي التعجب من المذموم‏:‏ يا له جاهلًا‏.‏ قال في المدح أنشد فيه القطّان عن ثعلب‏:‏

يا فارسًا ما أبو أَوْفى إذا شُغِلتْ *** كلتا اليدين كَرورًا غَير فَرَّارِ

وفي الذمّ قول الآخر‏:‏

أبو حازم جارٌ لها وابنُ بُرْثٌنٍ *** فيا لَكَ جارَيْ ذِلَّة وصغَارِ

ويا للتلهف والتأسف نحو قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏يا حَسْرَةً على العباد‏}‏‏.‏

ويكون تنبيهًا كقوله‏:‏

يا شاعرًا لا شاعرَ اليوم مثلُـه *** جرير ولكنْ في كُليب تواضُعُ

وعلى هذا يتأوّلُ قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ألا يسجدوا‏}‏ وقد ذكرناهُ‏.‏

ويا تكون للتلذُّذ نحو قوله‏:‏

يا بَرْدَها على الفؤاد لو يَقِفْ ***

باب معاني الكلام

وهي عند بعض أهل العلم عشرة‏:‏ خبرٌ‏.‏ واستخبار‏.‏ وأمر‏.‏ ونهي‏.‏ ودُعاء‏.‏ وطَلَب‏.‏ وعَرْض‏.‏ وتحْضيض‏.‏ وتَمنّ وتعجّبٌ‏.‏

فهذا‏:‏

باب الخَبَرِ

أما أهل اللغة فلا يقولون في الخبر أكثرَ من أنّه إعلامٌ‏.‏ تقول أخبرتُه‏.‏ أخُبِرْه‏"‏ والخبر هو العلم‏.‏

وأهل النظر يقولون‏:‏ الخبر ما جاز تصديق قائله أو تكذيبه‏.‏ وهو إفادة المخاطَب أمرًا في ماضٍ من زمان أو مستَقبل أو دائم‏.‏ نحو قام زيد ويقوم زيدا وقائم زيد‏.‏ ثم يكون واجبًا وجائزًا وممتنعًا‏.‏ فالواجب قولنا‏:‏ النار مُحرقة‏.‏ والجائز وقولنا لقي زيد عمرًا‏.‏ والممتنع قولنا‏:‏ حملت الجَبَل‏.‏

والمعاني التي يحتملها لفظ الخبر كثيرة‏:‏ فمنها التعجب نحو ما احسنَ زيدًا‏.‏ والمنّي نحو‏:‏ ودِدتُكَ عندنا والإنكار‏:‏ وما له عليَّ حق‏.‏ والنفي‏:‏ لا بَأسَ عليك‏.‏ والأمر نحو قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏والمطلَّقات يتربَّصْنَ‏}‏‏.‏ والنهي نحو قوله‏:‏ ‏{‏لا يَمَسُّهُ إلاّ المطهَّرون‏}‏‏.‏ والتعظيم نحو سبحان اللهِ‏.‏ والدُّعاء نحو عفا الله عنه‏.‏ والوعد نحو قوله جلّ وعزّ‏:‏ ‏{‏سنريهم آياتنا في الآفاق‏}‏‏.‏ والوعيد نحو قوله‏:‏ ‏{‏وسيَعلم الذين ظلموا‏}‏ والإنكار والتبكيت نحو قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ذُقْ إنّك أنتَ العزيز الكريم‏}‏‏.‏

وربّما كان اللفظُ خبرًا والمعنى شرطٌ وجزاء، نحو قوله‏:‏ ‏{‏إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنكم عائدون‏}‏ فظاهره خبر، والمعنى‏:‏ إنّا إن نكشف عنكم العذاب تعودوا‏.‏ ومثله ‏{‏الطلاق مرتان‏}‏ المعنى‏:‏ مَن طلّق امرأته مرتين فليُمْسِكها بعدهما بمعروف أو يسرّحها بإحسان‏.‏

والذي ذكرناه في قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ذُقْ إنك أنت العزيز الكريم‏}‏ فهو تبكيت وقد جاء في الشعر مثله‏.‏ قال شاعر يهجو جريرًا‏:‏

أبلغْ جريرًا وأبلغ مَن يُبَلّغُـه *** أني الأغرُّ وأني زهرةُ اليَمَنِ

فقال جريرٌ مبكّتًا له‏:‏

ألم تكن في وُسُوم قد وَسَمْتُ بها *** من حَانَ موعظةٌ يا زهرةَ اليَمَنِ

ويكون اللفظ خَبَرًا، والمعنى دعاء وطلب مَرّ في الجملة‏.‏ ونحوه‏:‏ ‏{‏إيّاكَ نعبُد وإياكَ نستعين‏}‏ معناه فأعِنّا على عبادتك‏.‏ ويقول القائل‏:‏ أستغفر الله والمعنى‏:‏ اغْفِرْ‏.‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏لا تثريبَ عليكم اليومَ يغفِرُ الله لكم‏}‏ ويقول الشاعر‏:‏

استغفرُ اللهَ ذنبًا لستُ مُحْصِيَهُ *** ربَّ العبادِ إليه الوَجهُ والعملُ

باب الاستخبار

الاستخبارُ - طلب خُبْر ما ليس عن المستخبر، وهو الاستفهام‏.‏

وذكر ناس أن بين الاستخبار والاستفهام أدنى فرق‏.‏ قالوا‏:‏ وذلك أن أولى الحالين الاستخبار لأن تستخبر فتجابُ بشيء، فربّما فهمته وربّما لم تفهمه، فإذا سألت ثانيةً فأنت مستفهم تقول‏:‏ أفهمْني ما قتله لي‏.‏ قالوا‏:‏ والدليل على ذلك أن الباري جل ثناؤه يوصَف بالخُبْر ولا يوصف بالفهم‏.‏

وجملة باب الاستخبار أن يكون ظاهره موافقًا لباطنه كسؤالك عنّا لا تعلمه، فتقول‏:‏ ما عندك‏؟‏ ومَن رأيتَ‏؟‏‏.‏

ويكون استخبارًا، في اللفظ، والمعنى تعجب‏.‏ نحو‏:‏ ‏{‏ما أصحاب المَيْمَنَة‏}‏‏.‏ وقد يسمى هذا تفخيمًا‏.‏ ومنه وقوله‏:‏ ‏{‏ماذا يَستعجِل منه المجرمون‏}‏ تفخيم للعذاب الذي يستعجلونه‏.‏

ويكون استخبارًا والمعنى توبيخ‏.‏ نحو‏:‏ ‏{‏أذْهبتم طيباتكم‏}‏‏.‏ ومنه قوله‏:‏

أغَرَرْتني وزَعمت أن *** نك لاَبِنٌ بالصيف تَامرْ

ويكون اللفظ استخبارًا، والمعنى تفجّع‏.‏ نحو‏:‏ ‏{‏ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة‏}‏‏.‏

ويكون استخبارًا، والمعنى تبكيت نحو‏:‏ ‏{‏أأنت قلت للناس‏}‏ تبكيتُ للنصارى فيما ادعوه‏.‏

ويكون استخبارًا، والمعنى تقرير‏.‏ نحو قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ألست بربكم‏}‏‏.‏

ويكون استخبارًا، والمعنى تسوية‏.‏ نحو‏:‏ ‏{‏سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم‏}‏‏.‏

ويكون استخبارًا، والمعنى استرشاد‏.‏ نحو‏:‏ ‏{‏أتجعل فيها من يُفسد فيها‏}‏‏.‏

ويكون استخبارًا، والمعنى إنكار نحو‏:‏ ‏{‏أتقولون على الله ما لا تعلمون‏}‏‏.‏ ومنه قول القائل‏:‏

وتقولُ عَزَّةُ قد مَلِلتَ فقل لها *** أيَمَلُّ شيءٌ نفسَه فأمَلَّـهـا

ويكون اللفظ استخبارًا، والمعنى عَرْض‏.‏ كقولك‏:‏ ‏"‏ألا تنزل‏"‏ ويكون استخبارًا، والمعنى تحْضيضِ‏.‏ نحو قولك‏:‏ هَلاَّ خيرًا من ذلك‏"‏ و‏:‏

بني ضَوْطَرَى لولا ال *** كَمِيَّ المـقـنَّـعـا

ويكون استخبارًا والمراد به الإفهام‏.‏ نحو قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وما تلك بيمينك‏}‏ قد علم أن لها أمرًا قد خفي على موسى عليه السلام، فأعلمه مِن حالها ما لم يعلمه‏.‏

ويكون استخبارًا، والمعنى تكثير، نحو قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وكم من قرية أهلكناها‏}‏ وكأيّنْ من قرية‏"‏‏.‏ ومثله‏:‏

كَم مِن دَنِيٍّ لها قد صِرتُ أتْبَعُـه *** ولو صحا القلب عنها كان لي تبعا

وقال آخر‏:‏

وكم مِن غائط من دونِ سلْمى *** قليلِ الأُنس ليس به كـتـيعُ

ويَكون استخبارًا، والمعنى نفي‏.‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فَمن يَهدي من أضلَّ اللَّهُ‏}‏ فظاهره استخبار والمعنى‏:‏ لا هاديَ لمن أضلَّ اللهُ‏.‏ والدليل على ذلك قوله في العطف عليه‏:‏ ‏{‏وما لهم من ناصرين‏}‏‏.‏ ومما جاء في الشعر منه قولُ الفرزدق‏:‏

أينَ الذين بهم تُسامِي دارِمـًا *** أمْ منْ إلى سلفيْ طهيَّة تَجْعلُ

ومنه قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏أفأنت تُنْقِذُ مَن في النار‏}‏ أي لستَ منقذَهم‏.‏

وقد يكونُ اللفظ استخبارًا، والمعنى إخبارًا وتحقيق‏.‏ نحو قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏هل أتى على الإنسان حِينٌ من الدّهر‏}‏ قالوا معناه‏:‏ قد أتى‏.‏

ويكون بلفظ الاستخبار، والمعنى تعجّب‏.‏ كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏عمّ يَتَسَاؤلُون‏}‏ و‏{‏لأي يوم أجِّلتْ‏}‏ ومِن دقيق باب الاستفهام أن يوضَع في الشرط وهو في الحقيقة للجزاء‏.‏ وذلك قول القائل‏:‏ إن أكرمتُكَ تُكرِمني المعنى‏:‏ أتكرمني إن أكرمتُك‏؟‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏أفإن متَّ فهم الخالدون‏}‏ تأويل الكلام‏:‏ أفهم الخالدون إن متّ‏؟‏ ومثله‏:‏ ‏{‏أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم‏}‏ تأويله‏:‏ أفتنقلبون على أعقابكم إنّ مات‏؟‏‏.‏

وربّما حَذفت العربُ ألف الاستفهام‏.‏ ومن ذلك قول الهُذْلِيّ‏:‏

رَفوْنِي وقالوا يا خويلدُ لم ترَعْ

فقلت وأنكرتُ الوجوهَ همُ همُ

أراد‏:‏ أهم‏؟‏ وقال آخر‏:‏

لَعمرُكَ ما أدري وإن كنـتُ داريًا

شُعَيْث بنَ سَهْم أم شُعيث بنَ مِنْقرِ

وقال آخر‏:‏

لعمركَ ما أدري وإن كنتُ داريًا

بسبع رَمين الجمر أم بثـمـانِ

وعلى هذا حمل بعض المفسرين قوله جلّ ثناؤه في قصة إبراهيم عليه السلام‏:‏ ‏{‏هذا ربي‏}‏‏:‏ أي‏:‏ أهذا ربي‏؟‏‏.‏

باب الأمر

الأمر عند العرب - ما إذا لم يفعله المأمور به سمي المأمور به عاصيًا‏.‏ ويكن بلفظ افْعلْ وليفْعَلْ نحو‏:‏ ‏{‏أقيموا الصلاةَ‏}‏ ونحو قوله‏:‏ ‏{‏وَليحكمْ أهلُ الإنجيل‏}‏‏.‏

فأما المعاني التي يحتملها لفظ الأمر فأن يَكون أمرًا، المعنى مسألة‏.‏ نحو قولك‏:‏ اللهم اغفر لي‏.‏ قال‏:‏

ما مَسَّها من نَقبٍ ولا دَبَـرْ

اغْفِرْ له اللهمَّ إن كان فَجَر

ويكون أمرًا، والمعنى وعيد‏.‏ نحو قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فتمتعوا فسوف تعلمون‏}‏‏.‏ ومثله قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏اعْمَلُوا ما شئتم‏}‏‏.‏ ومنه قول عَبِيد‏:‏

حَتّى سَقيناهم بكأسٍ مُـرَّةٍ *** فيها المُثمَّلُ ناقعًا فليشْرَبوا

ومن الوعيد قوله‏:‏

ارْوُوْا عليَّ وأرْضُوا بي رِحالَكُمُ *** واسُتَسْمِعوا يا بني مَيْثاءَ إنشادي

ما ظنُّكم ببني مَيْثاءَ إن رَقـدوا *** ليلًا وشَدَّ عليهم حَـيّةُ الـوادي

وقد جاء في الحديث‏:‏ «إذا لم تَسْتَحْيِ فاصنَعْ ما شئت» أي‏:‏ إن الله جل ثناؤه مجازيك، قال الشاعر‏:‏

إذا لم تَخْشَ عاقِبةَ الليالـي *** ولم تَسْتَحي فاصنع ما تشاءُ

ويكون اللفظ أمرًا، والمعنى تسليم‏.‏ نحو قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فاقْضِ ما أنتَ قاض‏}‏‏.‏

ويكون أمرًا، والمعنى تكوين‏.‏ نحو قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏كونوا قِرَدَةً خاسِئِين‏}‏‏.‏ وهذا لا يجوز أن يكون إلا مِن الله جلّ ثناؤه‏.‏

ويكون أمرًا، وهو نَدْب نحو قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فانْتَشِرُوا في الأرض‏}‏‏.‏ مثله‏:‏

فقلتُ لراعيها انْتَشِرْ وتَبَقَّلِ ***

ويكون أمرًا، وهو تعجيز‏.‏ نحو قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فانفُذوا لا تنفُذون إلا بسلطان‏}‏‏.‏ ومثله‏:‏

خَلِّ الطريقَ لمن يَبْني المَنَارَ بهـا

وابرُز بِبَرْزَة حيثُ اضْطَرَّكَ الْقَدَرُ

ويكون أمرًا، وهو تعجب‏.‏ نحو قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏أسْمِعْ بهم‏}‏‏.‏

قال‏:‏

أحْسِنْ بها خُلَةً لو أنها صدقـتْ *** موعودَها ولو انَّ النُّصحَ مقبولُ

ويكون أمرًا، وهو تمنٍّ‏.‏ تقول لِشَخص تراه‏:‏ ‏"‏كُنْ فلانًا‏"‏‏.‏

ويكون أمرًا، وهو واجب‏.‏ في أمر الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏أقيموا الصلاة‏}‏‏.‏

ويكون اللفظ أمرًا، والمعنى تلهيفٌ وتحسير‏.‏ كقول القائل‏:‏ ‏"‏متْ بِغَيْظِكَ‏"‏ ومُتْ بِدائِكَ‏"‏ وفي كتاب الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏قل موتوا بغَيْظكم‏}‏ ثم قال جرير‏:‏

موتوا من الغَيْظ غَمًّا في جَزِيرَتِكم *** لَنْ تقطعوا بطنَ وادٍ دونَهُ مُضَرُ

ويكون أمرًا، والمعنى خَبَر‏.‏ كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فليَضْحكوا قليلًا ولِيبكوا كثيرًا‏}‏ المعنى‏:‏ انهم سيضحكون قليلًا ويبكون كثيرًا‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ فما حال الأمر في وجوبه وغير وجوبه‏؟‏ قيل له‏:‏ أمّا العرب فليس يُحفظُ عنهم في ذلك شيء، غير أن العادة بأنَّ من أمر خادمه بسقيه ماءً فلم يفعل، أنّ خادمه عاصٍ‏:‏ وان الآمر مَعْصِيّ‏.‏ وكذلك إذا نهى خادَمه عن الكلام فتكلّم، لا فرق عندهم في ذلك بين الأمر والنهي‏.‏

فأما النهي - فقولك‏:‏ لا تَفْعَلْ ومنه قوله‏:‏

لا تَنِكحي إن فَرَّق الدهر بيننا *** أغمَّ القفا والوَجهِ ليس بأنْزعا

وأمّا الدعاء، والطَّلب - فيكون لمن فوقَ الداعي والطالب‏.‏ نحو‏:‏ اللهم اغُفرْ ويقال للخليفة‏:‏ انظُرْ في أمري‏.‏ قال الشاعر‏:‏

إليك أشكو فتقبَّلْ مَـلَـقـي *** واغفِرْ خطاياي وثمِّرْ وَرقي

والعَرضُ‏.‏ والتحضيض - متقاربان‏.‏ إلا أن العَرْضَ أرفَقُ‏.‏ والتحضيض أعْزَمُ‏.‏ وذلك قولك في العَرض ألا تنزِل ألا تأكلُ والإغراء والحثُّ قولك‏:‏ ألَمْ يأنِ لك أن تطيعَني‏.‏ وفي كتاب الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ألَمْ يَأنِ للذين آمنوا أن تَخْشَعَ قلوبُهم لذِكر الله‏}‏ والحثّ والتحضيض كالأمر ومنه قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏إنِ ائْتِ القومَ الظالمين قومَ فِرعَون ألاّ يتقون‏}‏ فهذا من الحثّ والتخصيص، معناه‏:‏ ائْتِهم ومُرْهُم بالاتّقاء‏.‏

ولولا يكون لهذا المعنى، وقد مضى ذكرها‏.‏ وربما كان تأويلها النفي، كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏لولا يأتُونَ عليهم بسلُطان بَيِّن‏}‏ المعنى‏:‏ اتخذوا من دونه آلهة لا يأتونَ عليهم بسلطان بَيِن‏.‏

والتمنيّ - وقولك‏:‏ وَدِدتكَ عندنا وقوله‏:‏

وَدِدتُ وما تُغني الوَدَادَةُ أنني *** بما في ضمير الحاجِبيَّة عالِمُ

قال قوم‏:‏ مِن الأخبار، لأن معناه ليس إذا قال القائل‏:‏ لَيْتَ لي مالًا فمعناه‏:‏ ليس لي مالٌ‏.‏ وآخرون يقولون‏:‏ لو كان خبرًا لجاز تصديق قائله أو تكذيبه، وأهل العربية مختلفون فيه على هذين الوجهين‏.‏

أما العجب - فتفضيل شخص من الأشخاص أو غيره على أضرابه بوصف‏.‏ كقولك‏:‏ ما أحسَنَ زيدًا‏.‏ وفي كتاب الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏قُتِلَ الإنسانُ ما أكفره‏}‏ وكذلك قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فما أصْبَرَهم على النار‏}‏ وقد قيل‏:‏ إنّ معنى هذا‏:‏ ما الذي صَبَّرهم‏.‏ وآخرون يقولون‏:‏ ما أصبرَهم‏:‏ ما أجرأهم‏.‏ قال وسمعت أعرابيًّا يقول لآخر‏:‏ ما أصبرك على الله، أي ما أجرأك عليه‏.‏

باب الخطاب بلفظ المذكر أو لجماعة الذُّكران

إذا جاء الخطاب بلفظ مذكّر ولم يُنَصَّ فيه على ذِكر الرجال فإنّ ذلك الخطاب شامل للذُكران والإناث‏.‏ كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وأقيموا الصلاة وآتوا الزَّكاة‏}‏‏.‏ كذا تَعْرف العرب هذا‏.‏ فإن قال القائل‏:‏ هذا لقوم من بني فلان فقد ذهب أكثرُ أهل اللغة إلى أن القوم للرجال دون النساء، فسمعت عليَّ بن إبراهيم يقول، سمعت ثعلبًا يقول‏:‏ يقال امروءٌ‏.‏ وأمرآن‏.‏ وقوم وامْرَأة وامْرأتان ونِسْوَة‏.‏ وسمعت عليًّا يقول، سمعت المفسّر يقول، سمعت عبد الله بن مُسْلم يقول‏:‏ القوم للرجال دون النساء، ثم يخالطهم النساء فيقال‏:‏ هؤلاء القومُ قومُ فلان ولا يجوز للنساء ليس فهين رجل‏:‏ هؤلاء قوم فلان، ولكن يقال‏:‏ هؤلاء من قوم فلان، لأن قومه رجال والنساء منهم‏.‏ قال‏:‏ وإنّما سمّي الرجل دون النساء قومًا، لأنهم يقومون في الأمور وعند الشدائد يقال قائم وقَوْم، كما يقال‏:‏ زائر وزَوْر‏.‏ وصائم وصَوْم‏.‏ ونائم ونَوْم‏.‏ ومثله النَّفَر لأنهم ينفِرُون مع الرجال إذا استنفَرَهم‏.‏ قال امرؤ القيس‏:‏

فهو لا تَنمِي رَمِيَّتُـهُ

ما لَهُ لا عُدَّ من نَفَرِهِ

ومما يدلّ على أن القوم للرجال قول زهير‏:‏

وما أدري وسوف إخال أدري *** أقوم آل حصن أم نـسـاءُ

باب أقلِّ العدد الجمعِ

الرُّتَبُ في الأعداد ثلاث‏:‏ رتبةُ الواحد‏.‏ ورتبة الاثنين‏.‏ ورتبة الجماعة، فهي للتوحيد والتثنية والجمع، لا يزاحم في الحقيقة بعضُها بعضًا‏.‏ فإن عُبِّر عن واحد بلفظ جماعة وعن اثنين بلفظ جماعة فذلك كله مجاز والتحقيق ما ذكرناه‏.‏ فإذا قال القائل‏:‏ عندي دراهمُ‏.‏ أو أفراسٌ‏.‏ أو رجال فذلك كله عبارة عن أكثر من اثنين‏.‏ وإلى ذلك ذهب عبد الله بن عباس - ومكانُه من العلم باللغة مكانُه - في قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فإن كان له إخْوَةٌ فَلأِمِّهِ السُّدُس‏}‏ إلى أن الحَجْبَ في هذا الموضع عن الثلث إلى السدس لا يكون إلا بأكثر من اثنين، وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم‏:‏ «الاثنان فما فوقَهما جماعة» فإنما أراد أنهما إذا صَلَّيا فقد حازا فضلَ الجماعة، لا أنّ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم سمَّي الشخصين جماعة‏.‏ وقول القائل‏:‏ إن أقلّ ذلك أن يُجْمع واحد إلى واحد فهذا مجاز، وإنما الحقيقة أن يُقال‏:‏ كان واحد فثنّي ثم جمع‏.‏ ولو كان الأمر على ما قالوه لما كان للتثنية ولا للاثنين معنى بوجه، ونحن نقول‏:‏ خرجا‏.‏ ويخرجان فلو كان الاثنان جمعًا لَمَا كان لقولنا يخرجان معنىً، وهذا لا يقوله أحد‏.‏

باب الخطاب الذي يقع به الإفهام من القائل والفَهم من السامع

يقل ذلك بين المتخاطبيْن من وجهين‏:‏ أحدهما الإعراب، والآخر التصّريف‏.‏ هذا فيمن يعرف الوجهين، فأمّا من لا يعرفهما فقد يمكن القائل إفهامُ السامع بوجوه يطول ذِكرها من إشارة وغير ذلك وإنّما المُعَوَّل على ما يقع في كتاب الله جلّ ثناؤه من الخطاب أو في سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أو غيرهما من الكلام المشترك في اللفظ‏.‏

فأمّا الإعراب - فبه تُميَّز المعاني ويُوقَف على أغراض المتكلمين‏.‏ وذلك أنّ قائلًا لو قال‏:‏ ما أحسنْ زيدْ غيرَ معرب أو ضربَ عمرْ زيد غير معرب لم يوقَف على مراده‏.‏ فإن قال‏:‏ ما أحسنَ زيدًا أو ما أحسنُ زيدِ أو ما أحسنَ زيدٌ أبانَ بالإعراب عن المعنى الذي أراده‏.‏

وللعرب في ذلك ما ليس لغيرها‏:‏ فهم يفْرُقون بالحركات وغيرها بين المعاني‏.‏ يقولون مِفْتَح للآلة التي يُفتح بها‏.‏ ومَفْتَح لموضع الفتح ومِقَصّ لآلة القص‏.‏ ومَقَصّ للموضع الذي يكون فيه القصّ‏.‏ ومِحْلَب للقدَح يُحلب فيه ومَحْلب للمكان يُحتلب فيه ذواتُ اللبن‏.‏ ويقولون‏:‏ امرأة طاهر من الحيض لان الرجل لا يَشْرَكها في الحيض‏.‏ وطاهرة من العيوب لأن الرجل يَشْرَكها في هذه الطّهارة‏.‏ وكذلك قاعد من الحَبَل وقاعدة من القعود‏.‏ ثم يقولون‏:‏ هذا غلامًا أحسن منه رجلًا يريدون الحالَ في شخص واحد‏.‏ ويقولون هذا غلام أحسنُ منه رجل فهما إذًا شخصان‏.‏ وتقول‏:‏ كم رجلًا رأيتَ‏؟‏ في الاستخبار وكم رجلٍ رأيتَ في الخبر يراد به التكثير‏.‏ وهُنَّ حَوَاجُّ بيتِ الله إذا كنّ قد حَجَجْنَ‏.‏ وحَوَاجُّ بيتِ الله إذا أردْن الحجَّ‏.‏ ومن ذلك جاء الشتاءُ والحَطَبَ لم يُرِدْ أنَّ الحطب جاء، إنما أراد الحاجة إليه، فإن أراد مجيئَهما قال‏:‏ والحطبُ‏.‏ وهذا دليل يدل على ما وراءه‏.‏

وأما التصريف - فإنَّ من فاته علمُه فإنه المُعظَم، لأنا نقول‏:‏ وَجَدَ وهي كلمة مبهمة فإذا صرفنا أفصحتْ فقلنا في المال وُجْدًا وفي الضالة وِجْدانًا وفي الغضب مَوْجِدَةً وفي الحزن وَجْدًا‏.‏ وقال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وأما القاسطون فكانوا لجهنم حَطَبًا‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏وأقْسِطوا إن الله يحب المقسطين‏}‏ كيف تحول المعنى بالتصريف من العدل إلى الجَوْر‏.‏ ويكون ذلك في الأسماء والأفعال فيقولون للطريقة في الرمل خِبَّة وللأرض المخصبة والمجدبة خُبَّة‏.‏ وتقول في الأرض السهلة الخوَّارة خارت، تخورُ، خَوْرًا، وخؤُرًا، وفي الإنسان إذا ضعُف خارَ، خَوَرًا، وفي الثور خار، خُوارًا‏.‏ ويقولون للمرأة الضخمة ضِنَاك وللزُّكمة ضُنَاك ويقولون للإبل التي ذهبت ألبانها شَوْل وهي جمع شائلة‏.‏ والتي شالت أذنابها لِلَّقح شُوَّل وهي جمع شائل‏.‏ ويقولون لبقية الماء في الحوض شَوْل ويقولون للعاشق عميد وللبعير المتأكل السَّنام عَمِد إلى غير ذلك من الكلام الذي لا يُحصى‏.‏

باب معاني ألفاظ العبارات التي يعبّر بها عن الأشياء

ومرجعها إلى ثلاثة وهي‏:‏ المعنى، والتفسير، والتأويل‏.‏ وهي وإن اختلفت فإن المقاصد بها متقاربة‏.‏

فأما المعنى - فهو القصد والمراد‏.‏ يقال‏:‏ عَنَيْتُ بالكلام كذا أي‏:‏ قَصَدْتُ وعَمَدْت‏.‏ أنشدني القطّان عن ثعلب عن ابن الأعرابي‏:‏

مثلُ البُرام غدا في أُصْدَةٍ خلَـقِ *** لم يستَعِن وحوامي الموتِ تَغشاهُ

فَرَّجْتُ عنه بِصِرْعَيْنـا لأرمَـلة *** وبائس جاء معناه كمـعـنـاهُ

يقول في رجل قُدِّم لِيُقتل، وأنه فرج عنه بِصِرْعين، أي فِرْقين من غنم‏:‏ قد كنتُ أعددتُها لأَرملة تأتيني تسألني أو لبائس مثل هذا المقدَّم ليقتل معنا، أي إن مقصدهما في السؤال والبؤس ومقصد واحد ويجوز أن يكون المعنى الحال أي حالهما واحدة‏.‏

وقال قوم اشتقاق المعنى من الإظهار يقال‏:‏ عَنتِ القِرْبة إذا لم تحفظ الماء بل أظهرته، وعُنوان الكتاب من هذا‏.‏ وقال آخرون‏:‏ المعنى مشتق من قول العرب عَنتِ الأرض بنبات حسن إذا أنبتت نباتًا حسنًا‏.‏ قال الفراء‏:‏ لم تَعْنُ بلادنا بشيء إذا لم تُنبت وحكى ابن السّكِّيت‏:‏ لم تَعْنِ من عَنَتْ‏.‏ تعني فإن كان هذا فإنَّ المراد بالمعنى الشيء الذي يفيده اللفظ كما يقال‏:‏ لم تَعْنِ هذه الأرض أي لم تُفِدْ‏.‏

وأما التفسير - فإنه التفصيل كذا قال ابن عباس في قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وأحْسَنَ تفسيرًا‏}‏ أي‏:‏ تفصيلًا‏.‏

وأما اشتقاقه فمن الفَسر‏.‏ أخبرني القطّان عن المَعْدَانّي عن أبيه عن معروف عن الليث عن الخليل قال‏:‏ الفسر البيان، واشتقاقه من فَسرِ الطبيب للماء إذا نظر إليه، ويقال لذلك‏:‏ التَّفْسِرَة أيضًا‏.‏

وأما التَّأْويل - فآخِرُ الأمر وعاقبته‏.‏ يقال‏:‏ إلى أي شيء مآل هذا الأمر‏؟‏ أي مَصيرُهُ وآخِره وعقباه‏.‏ وكذا قالوا في قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وما يَعلم تأويلَه إلاَّ الله‏}‏ أي‏:‏ لا يعلم الآجال والمُدَدَ إلاَّ الله جلّ ثناؤه، لأن القوم قالوا في مدّة هذه الملة ما قالوه، فأُعلموا أن مآل الأمر وعقباه لا يعمله إلا الله جل ثناؤه‏.‏

واشتقاق الكلمة من المآل وهو العاقبة والمصير، قال عَبْدَةُ بن الطبيب‏:‏

ولِلأَحِبَّة أيام تَـذَكَّـرُهـا

ولِلنّوى قبل يوم البين تأويلُ

وقال الأعشى‏:‏

على أنًّها كانَتْ تَأَوُّلُ حُبِّهـا

تَأّوُّلَ رِبِعِيِّ السِّقاب فأَصْحَبَا

يقول‏:‏ إن حبّها كان صغيرًا في قلبه فآلَ إلى العِظَم ولم يزل يَنْبُت حتى أصْحَبَ، فصار كالسَّقب الذي لم يزل يَشِبُّ حتى أصحب، يعني أنه إذا استصحبَتْه أمّه صَحِبَها‏.‏

باب الخطاب المطلق والمقيّد

أمّا الإطلاق - فأنا يّذكَر الشيء باسمه لا يُقرَن به صفة ولا شرط ولا زمان ولا عدد ولا شيء يشبه ذلك‏.‏

والتقيد - أن يذكَر بِقَرِينٍ من بعض ما ذكرناه، فيكون ذلك القرين زائدًا في المعنى‏.‏ من ذلك أن يقول القائل‏:‏ زيدٌ لَيْثٌ، فهذا إنما شبَّهه بليث في شجاعته، فإذا قال‏:‏ هو كالليثِ الحَرِبِ فقد زاد الحَرِبَ وهو الغضبان الذي حُرِبَ فريسَتَه، أي‏:‏ سُلِبَها‏.‏ فإذا كان كذا كان أدهى له‏.‏ ومن المطلَق قوله‏:‏

ترائِبُها مَصْقولة كالسَّجَنْجلِ ***

فشبَّهَ صدرها بالمرآة، لم يزد على هذا‏.‏ وذكر ذو الرّمة أخرى فزاد في المعنى حتى قيّد فقال‏:‏

ووجهٌ كمرآة الغريبة أسْجَحُ ***

فذكر المرآة كما ذكر امرؤ القيس السَّجنجل، وزاد الثاني ذِكْرَ الغريبة فزاد في المعنى، وذلك أن الغريبة ليس لها من يُعْلِمها محاسنها من مساويها فهي تحتاج أن تكون مرآتها أصفى وأنقى لتُرِيَها ما تحتاج إلى رؤيته من سُنَنِ وجهها‏.‏ منه قول الأعشى‏:‏

تَرُوحُ على آل المُحَلَّق جَفنةٌ

كجابِيَة الشيخ العِراقيِّ تَفْهَقُ

فشبَّه الجفنة بالجابية، وهي الحوض، وقيدها بذكر الشيخ العراقي، لأن العراقي إذا كان بالبدو لم يعرف مواضعَ الماء ومواقع الغيث، فهو على جمع الماء الكثير أحرص من البدوي العارف بالمناقِع والأحساء‏.‏ وفي هذا الباب قول حُمَيد بن ثَوْر يصف بعيرًا‏:‏

مُحَلّى بأطواقٍ عِتاقٍ يُبـينُـهـا *** على الضُّرِّ راعى الثَّلَّة المُتَعيّفُ

فقال راعي ثَلَّة ولم يطلق اسم الراعي، وذلك أنهم يقولون‏:‏ إنّ راعي الغنم أجهلُ الرُّعاة، فيقول‏:‏ إنّ هذا البعيرَ محلّىً بأطواق عتاق، أي كريمة، يُبينُها راعي الثلَّة على جهله فيكف بغيره ممن يعرف‏.‏

باب الشيء يكون ذا وصفين فيُعلَّق بحُكْم من الأحكام على أحد وصفَيْه

أمّا الفقهاء فمختلفون في هذا‏.‏

فأمّا مذهب العرب فإنّ العربي قد يذكر الشيء بإحدى صفتيه فيؤَثّر ذلك، وقد يذكره فلا يؤثّر بل يكون الأمر في ذلك وفي غيره سواءً‏.‏ ألاَ ترى القائل يقول‏:‏

مِنْ أُناس ليسَ من أخلاقِـهـم *** عاجِلُ الفُحش ولا سوء الطَّمَعْ

فلو كان الأمر على ما يذهب إليه مَن يُخالِف مذهبَ العرب لا سُتُجيز عاجلُ الفُحش إذا كان الشاعرُ إنما ذكر العاجل، وقد قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ولا تكونوا أوّلَ كافِرٍ به‏}‏ والكفر لا يجوز في حال من الأحوال‏.‏ وحكى ناس عن أبي عُبيدْ إنما سَلك فيما قاله من هذا مَسْلك التَّأوُّل ذاهبًا إلى مذهب من يقول بهذه المقالة، ولم يَحْكِ ما قاله عن العرب، ولو حكاه عنهم للزم القولُ به، لأنّ أبا عبيدْ ثِقة أمين فيما يحكيه عن العرب، فأما في الذي تأوَّله فإنّا نحن نُخالفه فيه كما نخالفه في مسألة مُتعة الحج وفي ذوي الأرحام وغير ذلك من المسائل المختلف فيها‏.‏